تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي يُعيد رسم خارطة الاقتصاد: فرصة أم تهديد؟

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تكنولوجيا جديدة كما يروج له في الندوات أو صفحات التسويق، بل أصبح اليوم رقما صعبا في معادلة الاقتصاد العالمي، يعيد تشكيل قواعد اللعبة على مستوى أسواق الشغل، طرق الإنتاج، وحتى توزيع الثروات

من وادي السيليكون إلى سيدي عبد الله: العالم يتحرك ونحن معه

ما يجري في الولايات المتحدة والصين ينسحب علينا، شئنا أم أبينا. كبريات الشركات العالمية مثل غولدمان ساكس و أمازون بدأت تعتمد على الذكاء الاصطناعي في عمليات معقدة كانت في السابق تتطلب جيوشا من الموظفين، مثل كتابة تقارير مالية أو إدارة الحملات الإعلانية

اللافت في هذا السياق أن رياح هذا التحول بدأت تهب على الدول العربية، وعلى رأسها الجزائر. فمع التطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري مراجعة منظومة التعليم والتكوين، ليس فقط من أجل مواكبة العصر، بل لضمان موطئ قدم في السوق الجديدة. فالطلب على التخصصات التقنية، خاصة تلك المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مرشح للارتفاع، لما توفره من كفاءة في الوقت، وتقليص في المصاريف، ومردودية عالية للمؤسسات والمقاولات

المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي… استثمار في المستقبل

ضمن هذا المسار، تبرز المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي كمشروع استراتيجي نوعي. فهي أول مؤسسة من نوعها في إفريقيا، تمثل خطوة حقيقية نحو بناء منظومة وطنية لتكوين الكفاءات المتخصصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته

بمخابر حديثة، مناهج متقدمة، وإشراف كفاءات وطنية ودولية، تهدف المدرسة إلى إعداد نخبة جزائرية قادرة على تطوير حلول ذكية تخدم قطاعات الاقتصاد، الأمن، الصحة، النقل والطاقة. وينتظر أن تصبح هذه المؤسسة، خلال سنوات قليلة، منجما للكفاءات الرقمية التي تحتاجها الجزائر لتثبيت مكانتها في الاقتصاد الرقمي العالمي

ثورة صناعية ذكية… لكن من نوع مختلف

نعيش اليوم ما يشبه ثورة صناعية جديدة، لكن هذه المرة أدواتها ليست الفحم والقطار البخاري، بل الخوارزميات والبيانات الذكاء الاصطناعي بدأ يغير قواعد الإنتاج: من الفلاحة الدقيقة إلى المراقبة الذكية للطرقات و من تحليل المعطيات في المستشفيات إلى تطوير المدن الذكية

بوهران، قسنطينة و الجزائر العاصمة، بدأت تظهر ملامح جيل جديد من المشاريع الناشئة التي تراهن على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة لتقديم حلول مبتكرة محليا. هذا الحراك التكنولوجي ليس وليد الصدفة، بل هو ثمرة التوجه الذي اعتمدته الدولة في السنوات الأخيرة لدعم الشركات الناشئة وتمكين الشباب من أدوات الابتكار. مبادرات التمويل، الحاضنات، والتسهيلات الجبائية ، ساهمت في تحرير الطاقات، وأعطت دفعة قوية لعقول شابة باتت تدمج التكنولوجيا في مختلف القطاعات

الإنسان يبقى في قلب المعادلة

رغم كل هذا التقدم، يبقى الإنسان ضروريا في كل حلقة من حلقات الذكاء الاصطناعي: من تصميمه إلى مراقبته وصيانته. الشركات تحتاج إلى تقنيين ومهندسين، لكن أيضا إلى حرفيين يعرفون كيف يتعاملون مع الواقع الميداني، وهذه فرصة يجب على الشباب الجزائري ألا يفوتها

المستقبل للذكي لا للورقي

الثورة الرقمية ليست قادمة… بل بدأت بالفعل. والجزائر، بما تملكه من طاقات شابة وقدرات بشرية واعدة، وبفضل الإرادة السياسية التي بدأت تتجسد على الأرض، تملك المقومات لتتحول إلى منتج للحلول الرقمية. لكن بلوغ هذا الهدف يمر حتما عبر استثمار فعلي وواع في الكفاءات الشبانية التي تزخر بها البلاد، وتمكينها من الأدوات والمعارف التي تجعلها فاعلة في صياغة المستقبل

زر الذهاب إلى الأعلى
error: