الحدث

كلمة الوزير عطاف كاملة خلال اجتماع مجلس الأمن حول الحالة في الشرق الأوسط

كمال ف 

ألقى اليوم الخميس وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج السيد أحمد عطاف، كلمة خلال مشاركته في جلسة لمجلس الأمن حول التصويت على مشروع قرار حول عضوية فلسطين في الامم المتحدة .

وجاءت كلمة الوزير عطاف كالآتي :

أشكركم السيد الرئيس.

وأرجو أن تتقبلوا من هذا الوفد أسمى عبارات الامتنان وأرقاها على تنظيم جلسة النقاش هذه، وهي الجلسة التي نحسب أنها تمثل خطوة صحيحة في الإتجاه الأصح.
فالحديث اليوم عن العضوية الكاملة لدولة فلسطين بمنظمتنا الأممية يعني إعادة طرح القضية الفلسطينية على أُصولها وأُسسها الحقة وتسليط  الضوءِ على جوهَرِها الذي لا يقبل التشويه ولُبِّها الذي يأبى التشكيك والتحريف، وأعني بالجوهر واللُّب،الحقَّ التاريخيَ الشرعيَ والمشروع للفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة والسيدة.

هذا الحق التاريخي الذي أقرَّته المجموعة الدولية تحت قبة منظمتنا هذه منذ ستٍّ وسبعين (76) عاماً خلت، والتزمت بِبَعثِه وتكريسه كحلٍ عادل ودائم ونهائي للقضية الفلسطينية،
وهذا الحق التاريخي الذي يعتبر عدمُ تفعيله السبب  المباشر لإطالة في عُمرِ الصراع العربي-الإسرائيلي والعلّةَ الأساسية لغياب الأمن والأمان في منطقةٍ لم تعرف طعم السكينة والطمأنينة طيلة ما يزيد عن سبع عقود .

 
وهذا الحق التاريخي الذي يُصر الاحتلال ُالإسرائيلي اليوم على طمسه وعلى استئصال مقوماته، وهو الذي أضحى لا يجد أدنى حرج ٍوأبسط حياء في المجاهرة برفضه وإنكاره والإمعان في القضاء عليه.
 لقد أماطت غزةُ اللثامَ بصمودها المثالي، عن مآرب ِالمُحتلِّ الإسرائيلي ومراميه ، الظاهرةِ منها والمبطنة، والتي تجتمع كلُّها تحت عنوان تصفية القضية الفلسطينية وتقويض المشروع الوطني الأصيل المرتبطِ بها.

ولم يَعُدْ يخفى على أحد، أَنَّ حربَ الإبادة الدائرة رحاها في غزة، وأن الخناق المفروضَ على الضفة ِالغربية، وأن سياساتِ الاستيطانِ وضمِّ الأراضي الفلسطينية وتهويدِ القدسِ المحتلة، وأن حملات ِالتهجيرِ القسري للفلسطينيين، وأخيراً وليس آخراً، أن ما صارَ يعرف ” بالترتيبات الإسرائيلية لما بعد الحرب على غزة”، كلُّها، كلها  محطاتٌ إضافية ومراحلُ متقدمة  من مخطط إسرائيلي أوسع وأشمل وأخطر.

وهو المخطط الذي يستهدف إحياء وتجسيد مشروع إسرائيل الكبرى في سياق القضاء على مقومات الدولة الفلسطينية، وفي سياقِ الهَدْمِ التدريجي الذي يَطالُ أركانها وركائزها الأساسية.

وقد شَهِدَ العالم أجمع، منذ ماضٍ يُعدُّ بأشهر  قلائل، كيف لوح مسؤول  إسرائيلي من على منبر الجمعية العامة، بخارطةٍ للشرق الأوسط، خارطة رُسِمَتْ حسب أوهامه وأهوائه، خارطة لم يكن فيها لفلسطين أي أَثر، وأي بصمة.
 بل حتى التصعيداتُ التي يحاول الاحتلالُ الإسرائيلي حالياً إذكاءَ فتيلها على أكثر من جَبْهَةٍ وِجهة في المنطقة، صارَ الغرضُ منها واضحاً وجليّاً، ألا وهو شَغْلُ المجموعة الدولية، وتحويل أنظارها عن القضية الفلسطينية، ومحاولةُ اختلاق صراعات ٍإقليمية  جديدة تتلاشى في براثينها حقوق الفلسطينيين وَتخبو خبو في  ريحها جذوة َالمتشبتين بإحقاقها .  
أبعد  هذا  كلهْ، يسمح  البعضُ لأنفسهم بأن تنساق َ وراءَ افتراءاتِ وادعاءاتِ المحتل الإسرائيلي ومخططاتِه المفضوحة طال أمدها أم قصر ؟
أَوَ بعد هذا كله ، يصعب على البعضِ التفطنُ لحقيقة الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني الذي يُصر على تسويق  أُمِّ الأوهام، وهي تحقيق السلم والأمن في الشرق الأوسط على أنقاض المشروع الوطني الفلسطيني وحطام  دولته الوطنية؟
أَوَ بعد  هذا كله، يُمعن البعضُ، على قلتهم ، في محاولةِ اقناعنا بأن الأوان لم يحن  بَعْدُ لأن تُصبح  فلسطين دولةً كاملة العضوية بمنظمتنا؟
 إن جسامة الخطورة التي تعيشها القضيةُ الفلسطينية ُاليوم، تضع  مجلسنا  هذا أمام مسؤوليةٍ تاريخية،مسؤوليةٍ حاسمة، ومسؤوليةٍ فاصلة، ومسؤوليةٍ فارقة، ألا وهي مسؤوليةُ التحرك العاجل لفرضِ حل الدولتين والحفاظِ على مرتكزاتِ قيام الدولة الفلسطينية.
 إن حل الدولتين يواجه اليوم خطراً مُميتاً، وإنقاذُهُ قبل فوات الأوان يكمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين، حفاظاً على السلم، وحفاظاً على الاستقرار، وحفاظاً على الأمن في منطقة الشرق الأوسط كلها .  
وأيُ تماطل أو تردُّدٍ في السعي لتحقيق ذلك، ستكون مُخلفاته  وخيمة،  وسيكون  في هذا الظرف بالذات بمثابة ضوءٍ أخضرَ يتم منحه  للاحتلال الإسرائيلي للإمعان في تنفيذ مخططاتٍ سِماتُها السلبُ والنهبُ والتوسعُ من جهة، والتطرفُ والمغالاة ُوالتعنتُ من جهة أخرى.
ومن هذا المنظور، فإن الجزائر قد نالت شرف َ َاحتضان إعلان قيام الدولة الفلسطينية يوم 15 نوفمبر 1988، كما نالت بلادي شَرَفَ كونِها أول َالمعترفين  الرسميين بها.
وامتداداً لهذا الإرث التاريخي الذي تعتز به بلادي أيما اعتزاز، وتفخر به أيما فخر، فقد وَجه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، من منبرِ الجمعية العامة في جلستها الأخيرة، الدعوةَ إلى التعجيل بمنح فلسطين العضوية الكاملة بمنظمتنا.
 وعلى هذا الأساس، فقد بادرت بلادي بتقديم مشروع قرارٍ لهذا الغرض أمام مجلسنا هذا، وذلك بالتنسيق الكامل والدائم مع الأشقاء الفلسطينيين والعرب من جهة، ومع قيادات مجموعاتِ انتمائنا لمناصرة القضية الفلسطينية، وأعني بها: جامعةَ الدول العربية، ومنظمةَ التعاون الإسلامي، وحركةَ عدم الانحياز، إلى جانب الاتحادِ الافريقي.
إن الساعةَ ساعةُ تحمُّلِ المسؤولياتِ والاضطلاع بالواجباتِ، لا مكان فيها للتردد، أو للتنصل من الالتزامات، أَوْ للإخلاف بالوعود المقطوعة.
وإننا  إِذْ نهيب ُ بكافة أعضاء مجلسنا الموقر هذا لدعم هذا المسعى بأصواتهم الثمينة، نؤكد أَنَّ موضوع العضوية الكاملة ليس غايةً في حد ذاتها، بقدر ما هو وسيلةٌ لتحقيق ثلاثِ مقاصدَ جوهرية:
أولاً، تحصين وتثبيتُ حل الدولتين أمام ما يتعرض له هذا الحل المُتَوافَقُ عليه دولياً من أَخطار  تهدد بإضعافه ،وتلاشيه، واندثاره،
ثانياً، الحفاظُ على مرتكزات ومقومات الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف،
ثالثاً وأخيراً، إرساء أولى لبنات  إحياء مسار السلام على أُسس  سليمة ومتينة تضمن تعبئة الجهود وحشدها للتكفل بمتطلبات القضية الفلسطينية، بهدف استعادة السلمِ والأمنِ والاستقرار في كافة ربوعِ الشرق الأوسط.
ونافلةُ القولِ هُنا، أن خطوةً كهذه هي أَقَلُّ وأبسطُ ما يُمكنُ أن تجود به الإنسانيةُ المُجتمعة تحت قبة منظمتنا الأممية تجاه  الآلافِ والآلافِ من الفلسطينيين، الذين ارتقوا ولا يزالون يرتقون شهداء َفي غزة، كل  يوم، وكل ساعة، وكُلَّ دقيقة، وكُلَّ ثانية، في سبيل أن تحيا قضيتهم و قضيتنا وقضية ُالإنسانية جمعاء.  
 لقد بات إنصافُ الشعبِ الفلسطيني حتميةً ملحة، حتمية قانونية وشرعية  حتمية سياسية وأمنية ، وحتمية إنسانية وحضارية 
وشكراً السيد الرئيس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!