منصة طعام تهزّ رواية سياسية: خريطة الصحراء الغربية تربك الرباط

في حادثة جديدة تعكس حساسية وهشاشة نظام المخزن تجاه أي إشارة تمس روايته الرسمية بشأن الصحراء الغربية، أثارت شركة “غلوفو” الإسبانية، المختصة في توصيل الوجبات، جدلًا سياسيًا غير متوقع بعد أن اعتمدت في تطبيقها خريطة تُظهر الصحراء الغربية كإقليم منفصل عن المغرب، بما يتماشى مع القانون الدولي. هذا التحديث، الذي مرّ بشكل عادي في نظر المستخدمين، أثار في المقابل رد فعل حاد من الرباط، وُصف في الصحافة الإسبانية بـ”الهستيري”.
شركة “غلوفو” لم تصدر أي موقف سياسي، ولم تُدلِ بأي تصريح يتعلق بالنزاع، بل اقتصر الأمر على تحديث تقني يُراعي المعايير الجغرافية الدولية المعترف بها، غير أن الرباط، وفق ما نقلته صحيفة “الإنديبندينتي”، رأت في ذلك تهديدًا لروايتها السياسية، إذ ما يزال المغرب ينظر لأي اعتراف ضمني أو مباشر بوضع الصحراء الغربية ككيان مستقل، بمثابة خرق لخطوطه الحمراء.
ما حدث لا يمكن عزله عن سياق أكبر يتكرر مع كل محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها القانوني. برنامج “كوبرنيكوس” الأوروبي، المتخصص في رصد التغيرات المناخية، قام هو الآخر مؤخرًا بفصل الصحراء الغربية عن المغرب على خريطته الرسمية، عبر خط متقطع يحدد الحدود الفعلية المعترف بها من قِبل الأمم المتحدة. وفيما اعتُبر في البداية خللًا تقنيًا، أكدت الهيئة المعنية أنها كانت على دراية بالوضع وأنها أجرت التعديل احترامًا للدقة القانونية.
هذا التوجه لا يقتصر على الهيئات التقنية أو العلمية، بل يمتد إلى الساحة القضائية الدولية. ففي أكتوبر 2024، أعادت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي تأكيد موقفها السابق بخصوص “الطابع المنفصل والمتميز” للصحراء الغربية مقارنة بالمغرب، مشيرة إلى أن المملكة لا تملك أي سيادة قانونية على الإقليم، وأن أي تعامل اقتصادي أو سياسي مع المنطقة لا بد أن يأخذ في الحسبان وضعها القانوني الخاص.
في هذا السياق، كتبت الصحفية الإسبانية فيكتوريا غارسيا كوريرا مقالة تناولت فيها ما سمّته “الهوس المغربي برسم خرائط وهمية”، مشددة على أن الخريطة الوحيدة التي ينبغي الاعتراف بها هي تلك المعتمدة من قبل الأمم المتحدة. كوريرا اعتبرت أن المغرب يسعى منذ سنوات عبر الإعلام والمناهج الدراسية والدبلوماسية إلى فرض تصور لا يجد له أي سند قانوني، فيما الواقع الميداني، كما ترصده بعثة المينورسو الأممية، يُؤكد أن الصحراء الغربية لا تُدار كجزء من المغرب، بل كإقليم ينتظر استفتاء تقرير مصير معطّل منذ عقود.
الغضب المتكرر من ظهور اسم “الصحراء الغربية” أو علمها أو أي إشارة لحدودها الدولية يكشف عن أزمة أعمق من مجرد تطبيق أو خريطة، إنها معركة سرديات تدور على الجغرافيا الرقمية، بين من يسعى لفرض واقع سياسي بالقوة، ومن يتمسّك بما تقرّه الشرعية الدولية. وفي هذا الزمن الذي تُحدَّث فيه الخرائط بتقنية الأقمار الصناعية لا بالبلاغات السياسية، يبدو أن الحقيقة الجغرافية تفرض نفسها، مهما حاول البعض إنكارها.