بين الأعلاف والاتجار بالمغرب ..مشروع علمي أم غطاء لتجارة المخدرات الدولية

في خطوة أثارت الدهشة واستغراب المتابعين، أعلن المغرب عن إطلاق دراسة علمية لدمج القنب الهندي في الأعلاف الحيوانية، ضمن استراتيجية توسيع استخداماته المشروعة في القطاعين الزراعي والبيطري. ما يثير الانتباه هنا ليس المشروع العلمي فحسب، بل تنصيب دولة كاملة لوكالة رسمية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، أي مادة لا تزال مصنفة دوليًا ضمن المخدرات، ما يجعل المغرب الوحيد تقريبًا الذي يمنح هذا النوع من الاستخدامات القانونية على نطاق واسع.
وأوضحت الوكالة المغربية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، عقب توقيعها أمس لاتفاقية مع معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، أن الدراسة تهدف إلى استخدام جزيئات القنب بديلاً عن المضادات الحيوية المحفزة للنمو في الدواجن، وهو ما أثار إستياء المغاربة على مواقع التواصل الإجتماعي فمنهم من قال ” سنأكل دجاج مكيف الآن” ومنهم من رفض الفكرة نهائياً كما ساءل بعضهم هل يجوز دينيا وهل تم أخذ رأي العلماء ؟ .
لكن المفاجأة الكبرى تكمن في الخلفية الحقيقية لزراعة القنب في المغرب، فبالرغم من تقنين استخداماته الطبية والصناعية منذ 2022، لا تزال السوق الموازية غير القانونية للقنب الهندي مزدهرة، إذ تقدر المساحات المزروعة غير القانونية بنحو 27 100 هكتار مقابل 5 800 هكتار فقط للقطاع القانوني، فيما تبقى المملكة من أكبر مصدّري الحشيش في شمال إفريقيا، وتمتد شبكات التهريب نحو أوروبا عبر طرق معقدة تشمل مضيق جبل طارق وخنادق، والعمليات الأمنية تكشف باستمرار مصادرات ضخمة تتجاوز عدة أطنان سنويًا.
وفي هذا السياق، يبدو أن حكومة المخزن تخوض مواجهة مزدوجة وصادمة من جهة تسعى إلى الاستفادة العلمية من القنب الهندي ودمجه في قطاع الأعلاف الحيوانية، ومن جهة أخرى تظل متورطة في تجارة دولية واسعة لمخدرات محظورة دوليًا، ما يضع مشروع الدراسة العلمية تحت تساؤلات أخلاقية وقانونية دولية. ويشير خبراء إلى أن هذا التقنين الرسمي يعكس مفارقة صارخة، إذ تحاول الحكومة إظهار سيطرتها القانونية على المادة، بينما تستمر في تمويل شبكات الجريمة المنظمة في استغلال السوق الموازية، والزراعة المرخصة، والتصدير غير المشروع، ما يجعل المغرب نموذجًا فريدًا على الصعيد الدولي في الجمع بين الترخيص بالمخدرات، الاتجار بها، والمشاركة في منظمات دولية تحظرها في الوقت نفسه، أليست مفارقة تثير الجدل؟
وبذلك، يمكننا الإستنتاج أن هذه الدراسات العلمية حسب ما يدعيه نظام المخزن ما هو إلاّ غطاء ينطوي تحت مسمى مشروع علمي يجمع بين البحث ، الاقتصاد، السياسة، والتحكم في سوق دولي للمخدرات، لتضع العالم هنا وأمام معطيات حقيقية لتجربة مغربية غير تقليدية تتحدى القوانين الدولية وتعيد تعريف الحدود بين الشرعي وغير الشرعي في صناعة القنب. وفي الوقت نفسه، يبقى التساؤل الصادم مطروحًا كيف لدولة أن تقنن مادة محظورة دوليًا كمخدر، بينما تظل أكبر مصدر لتجارة الحشيش في شمال إفريقيا والعالم؟ كيف لها أن توسّع زراعتها بحجة البحث العلمي والدواء، وفي الوقت ذاته تغرق الأسواق العالمية بالمخدرات؟ وكيف يمكن أن تشارك في منظمات دولية تحظر تجارة المخدرات، فيما نشاطها المحلي يثير دهشة المجتمع الدولي؟ هذه المفارقة تجعل التجربة المغربية قضية جدل أخلاقي وقانوني واستراتيجي، تضع المملكة في قلب صدام بين الابتكار الزراعي والالتزام بالقوانين الدولية والاقتصاد غير المشروع، ما يجعل متابعة هذا الملف أمرًا يثير الدهشة والقلق على حد سواء.















